مارك نيجارد: تاريخ مختصر لعقيدة الاختيار السابق في كتابات جون كالفن
هذا المقال تم نشره بشكل رسمي بالمراجع في صيغة pdf:
مارك نيجارد، “تاريخ مختصر لعقيدة الاختيار السابق في كتابات جون كالفن،” المجلة اللاهوتية المصرية 1 (2014): 24–33.
قد يبدو نوعاً من الجرأة لأستاذ لوثري يعمل في كلية لاهوت مشيخية أن يحاول تقديم مقال لزملائه وأصدقائه عن موضوع يختص بكالفن، وأؤكد لكم حسن قصدي، فاللوثريون مهتمون أيضًا بالاختيار السابق كلاهوتيين مصلحين، وإن كان هناك بعضًا من الاختلاف فيما قاله كالفن فهو مهم بالنسبة لنا أيضًا. فنحن أيضًا لدينا أسباب قوية لمحاولة فهم ما قاله كالفن وكتبه ولماذا. بل وأكثر من هذا فإني أقدم هذا الوعي التاريخي لحقيقة بديهية وهي أن من هم من الخارج كثيرًا ما يثيرون أسئلة لا يلحظها من هم من داخل، وكثيرًا ما يكون هذا مفيدًا. قد لا يكون قد تم التفكير في تاريخ الاختيار السابق عند كالفن في الوقت الحاضر وأن ذلك التاريخ قد يثير بعض التفكير. فإذا كان الاختيار السابق يمكن أن يؤخذ كموضوع مناقشة وفكر مثمر وليس مجرد مقال للاعتقاد به، فإنه في الغالب سيترك أثره في حياة الإيمان.
تطور العقيدة
صارت عقيدة الاختيار السابق موضوع إيمان لتكوين لاهوت مصلح حتى أن أهميته – إن لم تكن مركزيته- بالنسبة لجون كالفن قد قُبلت بدون نقاش. وبمعنى آخر فُهم كالفن على أنه يبني بشكل نظامي بناء على مفهومه أن الله في إرادته السامية اختار البعض للخلاص بشكل نهائي وآخرون للهلاك الأبدي وهذا منذ بداية خدمة كالفن. ولمن يفترضون ذلك قد يأتي الموضوع كصدمة إلى حد ما عندما يرون أن فكر كالفن لم يكن هكذا من البداية، وأن هناك وقتًا في حياة كالفن لم يكن الموضوع قد تكوَّن بعد وأنه قد حدث تغيير واضح في أهمية هذا الأمر ومضامينه طوال حياة كالفن نفسه.
يقدم كالفن مصادر رائعة للدارسين المهتمين بفحص هذه الإمكانية طوال الطبعات المتوالية لكتاب “أسس الديانة المسيحية” بتحريرها في اللغة اللاتينية أعوام 1536، 1539، 1543، 1550،1559، وكذلك في النسخة الفرنسية التي كتبها بيده أعوام 1541، 1545، 1551، 1560. قد يبدو أن متابعة الخط الفكري عند كالفن بخصوص الاختيار السابق لم يتغيّر طوال تحريره لسلسلة “الأسس”. ولكن ترجمة الموضوعات تعقُّد هذا الدور أمام القارئ الذي لا يقرأ اللاتينية. رغم أن النسخة اللاتينية، بالتحديد نسخة عام 1559، قد تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية وتمت طباعتها أكثر من مرة، فإن النسخة الوحيدة الأخرى التي تؤخذ في الاعتبار هي اللاتينية 1536 وقد ترجمها فورد لويس باتلزFord Lewis Battles عام 1975. وظلت ترجمة باتلز التي قام بها عام 1539 غير منشورة وغير متاحة حتى بعد وفاته. ولحسن حظ هذا المشروع فإن النسخة الفرنسية 1541 التي قام بها جاك بانير Jaques Pannier وطُبعت عام 1961 كانت متاحة. ورغم أنها تخالف بساطة أسلوب كتاب كالفن الأول الكاتاكيزم (التعليم من خلال السؤال والجواب)، 1538، والذي ترجمه فورد لويس باتلز وطبع مصحوبًا بتعليق كتبه جون هسلنك J. John Heselink عام 1997، إلا أنها تقدم معلومات قيمة عن السنوات الأولى لتطور العقيدة. والقصد من هذا المقال هو التوثيق بشكل مختصر للتغيرات الرئيسية في تكون عقيدة كالفن عن الاختيار مستخدمين الترجمة الإنجليزية 1536 لكتاب “الأسس”، والترجمة الإنجليزية للكاتكيزم 1538، والفرنسية “للأسس” عام 1541 بناء على اللاتينية 1539، والإنجليزية 1559 مقدمين خلاصات عن أدوارهذه الترجمات في شرح لاهوت كالفن.
الاختيار السابق في كتاب “الأسس” 1536
استغرقت ترجمة باتل الإنجليزية لكتاب “الأسس” 211 صفحة )بدون صفحات المقدمة( و 125.000 كلمة في خمسة فصول بعنوان “الناموس، والإيمان، والأسرار الخمسة، والأسرار الزائفة، والحرية المسيحية” ولم يرد شيئًا عن “الاختيار السابق”. وذكر وندل Wendel أن موضوع الاختيار السابق ذُكر مرتين فقط وكلاهما في فصل الإيمان في القسم الفرعي لقانون إيمان الرسل. وفي الفترة الأولى هناك ذكر أكثر توسُّعًا تحت عنوان البند 3 في قانون إيمان الرسل في الكنيسة، وأربع مرَّات في الفقرة 24 خُصصت لمناقشة قانون الإيمان في حوالي 1800 كلمة لفرز الكنيسة الحقيقية لمختاري الله من الكنيسة الفاسدة واضعًا الهبات والبركات التي للمختار ومؤكدًا الثقة التي يجب أن يضعوها في إرادة الله وأمانته لمختاريه.
وتلي المناقشة موضوعات عن الحرمان الكنسي والتأديب الكنسي. الذكر الثاني للاختيار السابق كان بالمقابلة سطحياً جدًا. كان لدى كالفن سبب لذكر رجاء المؤمنين (وليس المختارون) وعدم رجاء الأشرار وذلك عندما ناقش فهمًا رمزيًا أكثر لنزول المسيح إلى الهاوية لدينونة الله ووردت 53 كلمة فقط في كل المناقشة، ولا يوجد تناول كامل بأي شكل. ولذا فيبدو أن حوالي 1.5 % من كتاب “الأسس” عام 1536 اهتم بوضوح بالاختيار السابق وأن كالفن لم يكن عنده أيًا من الأسباب التي تجعله يذكره في تناوله لموضوعات أخرى. وهناك تحليل أقرب بخصوص قسم الاختيار السابق تحت عنوان “الكنيسة” يوضح السمات الآتية في كتاب عام 1536 :
1- إن الاختيار تم قبل الخلق “قبل تأسيس العالم”.
2- الاختيار عالمي إذ يشمل الملائكة والأموات وكل الأمم حتى يجمع “الكل” معًا رغم إن “الكل” تشير إلى “المختارين”.
3- يقدِّس: يحوِّل المختار إلى قديس.
4- يعطي خطوات الخلاص: دعوة، تبرير، تقديس، تمجيد.
5- بعض أعضاء الكنيسة الذين عمل فيهم بقوته “ليسوا أعضاء مختارين”.
6- وبالمثل فإن بعض المختارين لم يصيروا بعد جزءًا من الكنيسة المنظورة.
7- المختارون لا يمكن أن يهلكوا لأن أساسهم مؤكد.
8- جسد المختارين -أي الكنيسة- لن يفنى من على الأرض.
9- ليس لنا أن نفحص لماذا “الغوص في أعمال العظمة”.
10- ليس لنا أن نفحص عمن هم المختارون.
11- هناك علامات مؤكدة يقدمها الكتاب المقدس حيث يُعرف الشرير طالما أن الله يريد أن نعرفهم.
12- ما يظل بالنسبة لنا هو أن نؤمن بالوعد المُعلن للمطلق فقط “بالإيمان يكون لنا المسيح وأن كل هذا منه”.
من الواضح أن السؤال الرئيسي الذي تم تناوله هنا هو: ما هي طبيعة الكنيسة؟ وليس من الذي سيخلص؟ المناقشة بكاملها إذًا أساسها سياق كنسي في الأساس وليس سيتوريولوجي ( علم الخلاص).
الاختيار السابق في كتاب الكاتاكيزم 1538
تستغرق الترجمة الإنجليزية لكاتاكيزم كالفن وثيقة أصغر تتكون فقط من 31 صفحة (لا تشمل المقدمة) وعدد كلمات 15.000 تتناول 33 بندًا عن الإيمان، 13 منهم بعنوان الاختيار السابق. ومن الجدير بالملاحظة أنه يوجد الآن بند خاص به ، ليس هذا فقط ولكن في حوالي 500 كلمة وتمثِّل حوالي 3% من النص وتأخذ وضعًا استراتيجيًا بعد ثلاثة بنود بخصوص الناموس انتقالاً إلى بند عن الإيمان بالمسيح ولكن قبل 4 بنود تصف ذلك الإيمان. وبأي بُعد ومغزى، فإنه يتضح أن الاختيار السابق قد حصل على الاهتمام الذي يستحقه.
هناك علامات داخلية أيضًا. والآن وبعد مرور سنتين من الإشارة إلى الاختيار السابق في كتاب “الأسس” الأول فإن هناك سمات وضحت في الكاتاكيزم:
1- تحمل كلمة الله ثمارًا للمعيَّنين سابقًا فقط ليكونوا أولاد الله قبل تأسيس العالم.
2- كلمة الله رائحة موت للأموات الذين أُدينوا بنفس خطة الله.
3- ليس لنا أن نعرف لماذا رغب الله في هذا. فتفكيرنا لن يجلب سوى القلق والمتاعب.
4- بالأحرى بالنسبة لنا أن نعرف عدل الله وقداسته.
5- إدانة العالم كله عادلة وخلاص البعض هو رحمة خالصة.
6- المختارون أوانٍ للرحمة وغير المختارين أوانٍ للغضب.
7- علينا التركيز على الإعلان حيث نجعل رحمته معروفة.
8- ما نسعى إليه في الاختيار هو الحياة الأبدية ونحصل عليها بالإيمان بالمسيح مرآة إرادة الله وختم اختياره.
وهنا وبدلاً من أية إشارة في الصفحة الثالثة فإن مفهوم الهالك ذُكر في بداية البند وعولج بأسلوب مساوٍ لما تم به تناول الاختيار. وهناك في منتصف الطريق دفاع عن النظرية خلال البند المعنون ب “أواني الغضب” التي ذكرها بولس لتبرير قضاء الله حتى لو أدان الجنس البشري كله.
وكظاهرة أخرى فإن تأثيرات الاختيار السابق للفرد لم يتم معالجتها: تحويل الشخص إلى قديس، وتحديد وسيلة وخطة الخلاص، والدعوة للتبرير والتقديس. لقد تم تقديم العقيدة منفصلة عن فعاليتها المؤكدة الباكرة وبالمثل لم يتم ذكر توابع لمكانة الكنيسة في أوجهها المنظورة وغير المنظورة.
الاختيار السابق في الترجمة الفرنسية لكتاب “الأسس” 1541
بحلول العام 1539 نما كتاب “الأسس” سريعًا وأوضحت ترجمة كالفن 1541 هذا النمو فقد وصل عدد الكلمات إلى 36.0000 كلمة في 1189 صفحة ووصل حجم الكتاب إلى ثلاث مرات أكبر مما كان عام 1536. كما اتسعت أعداد الفصول من خمسة فصول إلى 17 فصلاً والفصل الثامن De la Predestination et Providence de Dieu وُضع في المنتصف بعد التبرير بالإيمان، واعتبارات الكتب المقدسة، ولكن قبل الصلاة والأسرار. وتضمنت الـ 75 صفحة حوالي 22.500 كلمة وهي الآن تمثل 6% من النص لتجعله واحدًا من أطول مقالات الإيمان في هذه الطبعة واضعًا إياها مع مقالات نقدية كالمقال الثالث عن الناموس، والسادس عن التبرير بالإيمان. ومن الصعب عدم ذكر تطور جذري وسريع لتركيز الانتباه على الاختيار في هذه الفترة.
ومن الواضح أيضًا أنه في هذا الوقت واجه كالفن اعتراضًا وجدلاً بخصوص موقفه لأن أول عمل منظَّم بعد المقدمة كان هو تقديم الدفاعات. ومن ناحية يجب ألا يسعى المرء بحب استطلاع جامح وتهور للدخول إلى “الأقداس” و “المتاهة” و “الأسرار” لإرادة الله. كما لا يجب السعي لطمر أي ذكر للاختيار السابق “كموضوع محفوف بالمخاطر”،وهو الآن يريد أن يثبت بكل الطرق استخدامه الصحيح المناسب كتابيًا، وليس هنا فقط في البداية ولكن مرة بعد أخرى وهو يواصل الكتابة، وكذلك وهو يقتبس أمثلة من العهد القديم، ومقابلة لها من نصوص العهد الجديد، وأقوال الآباء سواء المفضلة أو غير المفضَّلة حسب الاحتياج. وهذه الحجج والدفاعيات تمثِّل جزءًا معتبرًا من المادة الجديدة الموجودة في النص الفرنسي 1541 وهو الجزء المثير للانتباه المضاف إليه.
لم يبدأ تحديد العقيدة وفحص أوجهها قبل الصفحة الخامسة فببساطة تامة، “نحن نطلق على الاختيار السابق المشورة الأزلية لله التي بها قرر ما يريده لكل شخص فهو لم يخلقهم كلهم بنفس الحالة ولكنه عين البعض للحياة الأبدية وآخرون للهلاك الأبدي”. هناك تعريف للاختيار السابق لم يظهر في طبعات كتب كالفن السابقة يضع الخزي في المواجهة في تماسك لاهوتي وأسلوب نظامي وهو لا يخفي الخزي السيكولوجي لسبق الاختيار ولكن يظهره أمام الجميع ليروه وهو يدافع عن معتقده قبل أن يعرضه. وفي تطوير آخر للعقيدة يستخدم كلمة “ثابت” أو “غير قابل للتغيير”. المفهوم ليس جديدا فقد ورد في طبعة عام 1356 ولكن بدلا من التأكيد على صدق أمانة وعد الله فإن السياق الآن هو عدم مقدرة الإنسان لفهم قرار الله بالاختيار السابق.
الاختيار السابق في “الأسس” 1559
الإفادة الكاملة للاهوت كالفن موجودة في الطبعة اللاتينية النهائية من “الأسس” المطبوع بعد 18 سنة من العمل الذي أشرنا إليه سابقًا. تُستخدم هذه الطبعة بشكل شامل في الكنائس المصلحة الآن، والتي وصلت إلى 1486 صفحة في طبعة ويستمنستر جون نوكس الحديثة وتأتي في 65.0000 كلمة وتصل إلى مرتين من حجم طبعات 1539/ 1541. وقُسِّم الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسية أو “كتب” مقسَّمة إلى 80 فصلاً ومقسَّمة إلى 1263 قسمًا فرعيًا أو “فقرات”. وفي الكتاب الثالث هناك أربعة من هذه الفصول 21 من 24 أو 49 فقرة تمثِّل حوالي 29.000 كلمة مخصصَّة بشكل خاص لموضوعات الاختيار. هناك فصلان يحتويان على 12.000 كلمة بخصوص العناية الإلهية انتقلا إلى الكتاب الأول (فصول 17 و 18) لتناولها مع مادة أخرى وهي العقيدة في الله. وبالإضافة إلى ذلك هناك أربعة فصول في الكتاب الثاني (الفصل الثاني إلى الرابع) أو حوالي 38.000 كلمة تتناول موضوع تفاعل العقيدة، مع التنبير على عبودية إرادة الإنسان وعجز البشرية بدون معونة الله. وترد إشارات مكرَّرة للاختيار السابق ومفاهيم ترجع إليها طوال مادة هذا الجزء وهي كلها تمثل أكثر من 90% من الكتاب كله. ولذا فإن اعتبارات الاختيار السابق والاختيار لا تمثل فقط كمية من المادة في وسط الكتاب الثالث والرابع بطريقة قبول المسيح وإعطاء دعوة الله ضد أغلب الاعتراضات التي وجهت إليها؛ ولكن أيضًا كفصول بارزة وأجزاء من الفصول بطول الكتب بخصوص الخلق والفداء. يمكن القول أيضًا أنها تتخلل “الأسس” بمعنى أوسع حيث صارت وعيًا عامًا يربط عدة عقائد إيجابية في العمل كله. في الفصول الأربعة بخصوص الاختيار كمثال فإن الارتباط بالكامل يكمن في البرهنة على العقيدة من الكتاب المقدس وآباء الكنيسة وأخرى لدحض الاتهامات المتنوِّعة التي قُدمت ضد العقيدة.
في الفصلين الآخرين نقابل دفاعيات عن العقيدة مثل الاعتراضين المبدأييَن اللذين افتتحا الطبعة الفرنسية 1541 في الفصل XXI و في الفصل XXIV. يمكن القول أن العقيدة قد نضجت الآن وقويت وانسجمت مع أفكاره الأخرى فهجوم أعدائها دفعه للدفاع عنها وعمل دعامات لها. ولقد تم الاحتفاظ بتعريف الاختيار السابق المذكور في الطبعة الفرنسية 1541 ربما كلمة كلمة. في الواقع هناك الكثير يتم التعرُّف عليه في طبعة 1559 وكان واردًا في طبعة 1541. يرى ويندل Wendel أن الخطوط الرئيسية في العقيدة وُضعت في طبعة 1539 وأن التعديلات بعد ذلك الوقت لم تكن تقوية عقيدته، ولكن في الواقع تعقيد لبعض التعريفات الجديدة ومزيد من الاقتباسات الكتابية. وبالتأكيد هناك الكثير من الصحة في هذا، إلا أن هناك بعض التعريفات الجديدة تستحق الذكر.لقد قُدِّمت قضية إسرائيل لتوضيح نوع من اختيارين في طبقتين لم نلحظهما سابقًا. في الأول أُختيرت الأمم في المقام الأول كميراثه أما المرحلة الثانية فأكثر محدودية؛ حيت تم اختيارأفراد محددين من الأمم. يعطي كالفن قيمة للاختيار الأول ولكن يوضح أن الاختيار الثاني للأفراد لنوال الخلاص الأبدي بالقطع وبدون شك هو “الاختيار الفعلي”.
وبالنظر لهذا من الناحية البنائية يميز كالفن بين دعوة الله العامة والخاصة. ففي الأولى تذهب دعوة الإنجيل لكل الناس بدون تحديد ولكن لا تفعل فعلها فيهم كلهم، أما النوع الثاني من الدعوة فهي دعوة خاصة حيث يتنازل الله ليعطي المؤمنين وحدهم، بينما بالاستنارة الداخلية بروحه يجعل الكلمة المبَّشر بها تسكن قلوبهم: وبالتأكيد هذا تمييز يناسب البنية اللاهوتية الذي يختار به الله سابق العلم من الذين تنيرهم الكلمة.
خلاصة
يبدو واضحًا من التقديم المختصر للكتب الأربعة؛ ثلاثة من البداية وواحد من خلاصة خدمته، أن عقيدة الاختيار السابق لم تكن شيئًا ثابتًا طوال سني خدمة كالفن بل بالعكس يتضح أن هناك نموا متواصلاً غنياً متزايدًا خاصة أننا لاحظنا المؤشرات التالية.
1- المساحة التي أخذها المفهوم تزايدت من 1.5% من الكتاب عام 1536 إلى 10% عام 1559.
2- سيادة المفهوم زاد من مجرد خدمة صغيرة وعابرة لعقيدة أخرى في جزء واحد من فصل واحد عام 1536، إلى جزء معنون في عام 1538، إلى معالجة في فصول متزايدة على حدة وموزَّعة في موضوعات أخرى عام 1559.
3- تغير الاختيار السابق من دور الاستخدام الكنسي عام 1536 يساعد على تحديد ماهية الكنيسة إلى دور سيكولوجي في بواكير 1541 وهو شيء يحمل به المؤمنون شهادة بأعمالهم.
4- صار المفهوم أكثر وضوحًا، ففي حين أنه في عام 1536. لقد ذكر مفهوم الضال مرتين فقط، ففي عام 1541 فإن خزي الانفصال العشوائي للضال من المخلَّص أصبح بشكل نظامي واضحًا بتعريف محدد ومعالجة مبكرة.
5- سياق التعليم كان يزداد حيرة في كل مرة يظهر فيها الموضوع حيث كان يتم إيضاحه في جزء تتزايد فيه الدلائل المدعمة من الكتاب المقدس والآباء وبتفنيد حذر لكل اعتراض تم توجيهه للعقيدة.
إن حقيقة التغيير ليست هي المقصودة هنا ، فالدليل على هذا في ورقة قصيرة كهذه يأتي صادمًا. إلا أن التغيير تم إيضاحه عن طريق مثير مستخدمًا جزء من المادة المتاحة فقط كما وردت في الترجمة. سوف يتضح أن هذا المجال هو حقل مثمر للبحث بالإطلاع على مصادر أخرى في اللغات الأصلية لمحاولة عمل بعض الأحكام عن الصلة بين نمو عقيدة لاهوت كالفن وتأثيراتها على كالفن وجماعته. ولا توجد مادة أكثر دقة يمكن أن نتطلع إليها. PDF
هذا المقال قمت بترجمته للمجلة اللاهوتية من الانجليزية للعربية
فنيس نقولا
This article is translated from English into Arabic by Venus Boulos